دار حديث جميل بيني وبين أصدقاء أجمل، عن مواقف الناس وتقلباتهم وتغيّراتهم مع الحياة، خاصة أن هذه الحياة الآن أصبحت أكثر صخبًا وتطلبًا وتعقيدًا وتفاصيل، ومع ذلك يتأثر الناس بهذه التفاصيل، فتغيّر من سلوكياتهم ومواقفهم وأمزجتهم، وبالتالي علاقتهم مع غيرهم. كل واحد منا أدلى بدلوه، وكان كل دلو أجمل من الآخر.بنهاية الحديث اتفقنا على شيء أو بالأصح أجمعنا عليه واختلفنا على شيء آخر. وسأبدأ بالاختلاف أولًا، حيث إنه أكثر جدلًا وجذبًا في آنٍ واحدٍ، وهو أن البعض يقول: الدنيا تغيّرت ومن أول أزين بكل شيء عن الحين، كانت الحياة أكثر صدقًا وأمانة وإخلاصًا، وأنا شخصيًا لا أتفق أبدًا مع هذا الطرح إطلاقًا، فالصحيح أن الحياة والقيم والمبادئ والأسس هي كما هي لم تتغيّر بل نحن الذين تغيّرنا وتغيّرت سلوكنا معها عبر الزمن، فالصدق والحب والأمانة والوعد والتسامح وغيرها الكثير كلها موجودة ولكن الصادقين والمحبين والأمناء والواعدين والمتسامحين هم مَن تغيَّروا، والدليل أن الدنيا ما زال بها من هؤلاء، وإن كانوا قليلًا ولكنهم على الأقل موجودون ويعيشون هم ومَن حولهم حياة جميلة هنيئة، وهذا دليل قاطع على أن مَن تغيّر هو نحن وليس الحياة نفسها، أما ما اتفقنا عليه بأن معيار الإنسان ومصفاته هي المواقف، فبدون المواقف ما أسهل أن ترى البشر بأجمل صورة وأبهى حُلّة ولون واحد، ولكن المواقف هي مَن تلوّنهم وترتّبهم في سلّم الأولويات بحياتك وذاكرتك وقلبك.فالإمام الشافعي “رحمه الله” يقول: (ولا خير في ود امرئ متلوّن إذا الريح مالت، مال حيث تميل، وما أكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل). فهنا صنَّف الشاعر الناس ومواقفهم بالرياح، هل يميل معها أم يثبت على مواقفه ومبادئه، وأن البشر القريبين منك كثيرون، ولكنهم في المواقف والمحكّات قليلون. هذا الكلام لا ينطبق على جنس معيَّن، فالحديث عن الإنسان وليس عن الرجل وحده أو المرأة وحدها. صدقًا أجد أن المواقف هي «فلتر» الإنسان كيف يكون في خصومته وغضبه وخسارته ومصالحه وحزنه وفرحه وانتصاره وهزيمته مع الناس، هل يهدم وينسى كل شيء، هل يبيع الجمل بما حمل مقابل موقف واحد؟، هل يفجر في خصومته على مال أو خطأ بسيط أو جسيم حتى..؟ هل يختلف معك فيما اختلفتما فيه فقط أم يُطبّق الماضي على الحاضر فيكونان هباءً منثورًا؟ أم أن الأصل للأخلاق تسمو فتحضر في كل المواقف؟ قال معاوية بن أبي سفيان “رضي الله عنه” إلى الرسول “عليه الصلاة والسلام”: (والله إنك لَكريم فِداك أبي وأمي، لقد حاربتك فنِعم المحارب كنت، ثم سالمتك فَنِعْمَ المسالم أنت)، هكذا هم أهل المواقف، صلى عليك الله يا خير الورى ومعلم البشرية.وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل، أودِّعكم قائلًا: (النيّات الطيبة لا تخسر أبدًا)، في أمان الله.Majid_alsuhaimi@