لا يمكن لعاقل أن يظن أن روسيا تسرعت في مشروع غزوها لأوكرانيا، وهو يرى الاقتصاد تحت إشارة القرارات الروسية، فالرئيس الروسي يبدو لديه خطط لمشاريع أكبر من مواجهة سيل العقوبات التي تمت دراستها في روسيا أكثر من حلف الناتو، وتم استبدالها بمعالجات اقتصادية لمدة عقد ونيف، بل هذا الغزو يظهر تغيرا مرحليا، يمكن أن يتضح أكثر في حال تم رفع كعب العقوبات على روسيا، لنعرف من الخاسر من حزمة العقوبات هل روسيا أم المعاقبون؟وبالمقابل، المستفيدون حاليا هم حلفها الاقتصادي بما فيهم الصين ودول الخليج، جراء ارتفاع أسعار النفط وهزة الأسواق لصالح المستقرة قليلة المخاطرة منها، وعليه فإن أكثر الاقتصادات التي تتحمل المخاطرة هي من تفرض العقوبات، وكأن الأمر مدروس سلفا، فهي ستخسر إمدادات الطاقة الأقل كلفة من روسيا الجارة، والاستثمارات عالية الربحية وكبار المستثمرين والعملاء من الروس الملياردية وستنخفض قطاعات كان يعول عليها كثيرا لتحريك السوق الغربي الذي شابه الركود على أثر قيود العقوبات وبدأنا نسمع الصرخات، كما أنهم خسروا أوكرنيا أرض أحلامهم الاستثمارية، بالذات لبريطانيا.بينما يمكننا فهم الخطط الاقتصادية المدروسة لروسيا من تصريح المتحدث الروسي «تم تقليص الاعتماد بشكل منهجي في السنوات الأخيرة، والهدف الرئيسي في ظل استمرار فرض العقوبات، هو ضمان الاكتفاء الذاتي والاستبدال الكامل للواردات.. هناك إمكانية لتحقيق إنجاز سريع، بالتأكيد ستكون هناك مشاكل، لكنها ليست مستعصية».ولنأتي إلى الحقائق في الاقتصاد العالمي، إزالة روسيا من نظام SWIFT جعلها تعود لنظامها المالي الذي ابتكرته (SPFS)، وكأن روسيا مستعدة لذا قللت الاعتماد على المشاريع الغربية، فمشاريع الطاقة، يحتاجها الغرب أكثر من روسيا، وهذه الحقيقة جعلت الغرب مترددا، كما أن روسيا لديها مشروع «قوة سيبيريا» مع الصين، وفي حال ارتفع حجم العقوبات سيذهب مشروع الطاقة الأوروبي إلى الصين، فالأخيرة أيضا تحاول التقليل من اعتمادها على الغرب وسوق الولايات المتحدة الذي خذلها كثيرا.النمو الاقتصادي الروسي هذا العام في أفضل حالاته منذ الأزمة المالية العالمية 2008، مسجلا ارتفاعا نسبيا وتخطى المتوقع، ومنذ العام 2014 تلك الفترة الصعبة للروس وهم يحاولون الاكتفاء، ونجحوا إلى حد كبير فلديهم فائض في الاحتياطات النقدية والذهب ومخزون السلع الأولية، وهم يسيطرون على بعض المواد الأولية للطاقة في العالم بالذات على أسواق أوروبا وأمريكا، سواء النفط والغاز أو المواد الخام الأخرى التي تستخدم في الأجهزة الإلكترونية، لذا يحذر خبراء في كابيتال ايكونومكيس أن وقع الأمر قد يحط على السوق الأمريكي في المقام الأول بالذات وأن البنك الفيدرالي الذي يحاول حل مشكلة التضخم وهو في طريقه في مارس لرفع نسبة الفائدة، بأن ارتفاع أسعار الطاقة ليس في صالح المستهلك الأوروبي والأمريكي وقد يضر بالنفط الصخري، بالذات وأن السوقين الأوروبية والأمريكية أكثر من يتعرض لركود المرحلة.ولعل أكثر ما تضرر هو الروبل الروسي ولكن قرار فرض التعامل بالروبل مقابل النفط والغاز، كان قرارا ذكيا، رفع الروبل 8.27 بالمائة، للمرة الأولى في نحو 3 أسابيع، مقابل تراجع الدولار إلى 95 روبل.الأمر يحتاج لحلول عاقلة، وفوضى التلويح بالقوة قد تضر الاقتصاد العالمي بعيدا عن الحرب ذاتها، وتغير الموازين بالكامل، فعلى مر السنوات الأخيرة وأزماتها، لا يوجد مكسب في حرب جماعية أو أحادية، والأضرار ستبدأ من الأسواق الكبيرة إلى الأصغر، ولكن كل حرب حين تكبر تعيد تشكيل القوى السياسية والاقتصادية العالمية وترسم خططا غير مألوفة لتموضع الفوز والخسارة وتبتكر أدوات المرحلة من جديد.اليوم في ظل الاقتصاد العالمي لا توجد قوة مطلقة، فكلها أعمدة تتكئ على بعضها البعض.@hana_maki00