أمام هذا السيل الجارف من دواوين الشعر والمجموعات القصصية التي تلفظها المطابع العربية بكميات هائلة ومدهشة، أتساءل عن نسبة الجودة والأصالة فيها، فأجد أن نسبة كبيرة من هذه الكتب تفتقر إلى أية «موهبة واعدة»، وإنما طُبعت من باب «التشجيع» وهو باب واسع أخذ يرحّب بمَن «هبَّ ودبَّ» أو طُبعت في ظل غياب حركة نقدية منهجية تمحص وتدقق، وكأني بلسان حال هؤلاء الأدباء والشعراء «الواعدين» في غياب هذه الحركة يقول «خلا لك الجو فبيضي واصفري»، ولا شك في أن الموهبة «عملة نادرة» لا تُباع في الأسواق، من ضروراتها أن يُلمّ الموهوب بأدوات الكتابة وأسلحتها وأهمّها إلمامه باللغة الأدبية، فهل هذه الإصدارات الكثيفة تُعنى باللغة؟ وهل يحق لكل مسؤول عن النشر أن يترك باب «التشجيع» مفتوحًا على مصراعيه لكل مراهق ومتطفل على موائد الأدب، ولكل مَن يريد استعراض عضلاته الهشة أمام عباد الله؟لا أظن أن هذا يجوز بأي حال، أضف إلى ذلك أن عملية التشجيع في حد ذاتها لها مردودات سلبية غير حميدة، فما إن يظهر هذا العمل بعد «عُسر ولادة» في الأسواق لهذا الأديب الشاعر «الواعد» حتى يظن أنه قد وصل إلى القمة، فتنتفخ أوداجه، ويشمخ بأنفه، ويمشي في الأرض مرحًا، وكأنه أصبح فيلسوف زمانه ووحيد عصره، فإذا أضفنا إلى ذلك ما يفعله «ناقد منتفع» إزاء هذا الأثر، حيث يُشمِّر عن ساعديه، ويأخذ في «التطبيل والتزمير والتصفيق» فوق أعمدة الصحف لهذا «العمل الأدبي الخارق»، فلا شك في أن هذا المؤلف «الواعد» سوف يزداد غرورًا وتعاظمًا، وهذه الأمور مجتمعة أو متفرقة ليست في صالح الأدب العربي في كافة أقطارنا العربية، بل هي في طالحه، والمشكلة القائمة الآن على ساحتنا الأدبية والثقافية العربية أن «الجود من الموجود» فهؤلاء «المتشاعرون والمتأدبون» هم الذين يسيطرون للأسف الشديد على حياتنا الأدبية، وهم على استعداد لنشر أعمالهم الضعيفة المهلهلة على «حسابهم الخاص»، وهم على استعداد لتحمّل الخسارة المادية في سبيل أن تلمع أسماؤهم كما تلمع النجوم، وأظن أن المؤسسات الثقافية الرسمية في عالمنا العربي تتحمّل جزءًا من المسؤولية حينما «تجيز» هذه الأعمال بحجة تشجيع الأدب ونشره، وهذه حجة واهية غير صحيحة، فلابد من تحرّي الدقة قبل فسح هذه الأعمال وإجازتها[email protected]