أزعم بأن الأدب «الحداثي» تحول اليوم إلى أدب «تقليدي» بمعنى أنه لم يعد يحمل شيئا جديدا، فتركيباته وصوره ومفرداته اللفظية غدت معهودة الآن بمضي الوقت، وبقراءاتنا المتكررة لهذه الأعمال الحديثة أو الحداثية، فلم تعد قصيدة النثر مبهرة، ولم تعد القصة الحداثية مبهرة هي الأخرى، فقد تحولتا إلى «أدب تقليدي»، ولم تعد «الدهشة» في حد ذاتها عنصرا مشوقا في القصيدة الحداثية؛ لأن «الدهشة» في حد ذاتها عنصر مشوق في «القصيدة الحداثية»، ولأن «الدهشة» أضحت «تقليدا مشاعا».. وانطلاقا من هذا الزعم، فإنني أشك في أي تطور قد طرأ على الأدب الحداثي شكلا ومضمونا، فقد استهلكت أغراض الحداثة تماما، ولم يعد أمام أصحابها منفذ يلجون من خلاله لطرح أي رأي جديد، أو رؤى جديدة، غير أننا يجب أن نفرق بين «الحداثات» جيدا، فإذا نظرنا إلى مفهوم الحداثة «الفكري» لرأينا أنه يعني في جوهره إلغاء التاريخ، وتجاهل الثوابت، أما مفهوم الحداثة الأدبي، فيعني التجديد والتحديث والابتكار في «واحد» من مفاهيمه، فإذا كنا ميالين كل الميل إلى الأخذ بمفهوم الحداثة الأدبي بهذا الشكل، فإن أدبنا العربي القديم به نماذج من «الحداثة»، فقد أقدم العرب في «فردوسهم المفقود» على ابتكار «الموشحات» وهو لون حداثي لم يعهده العرب في أشعارهم من قبل، وكذلك فعل أبو تمام في «بديعه»، ولم تكن «اللزوميات» لأبي العلاء المعري إلا لونا من ألوان الحداثة في أدبنا العربي القديم، فإذا كانت الحداثة تعني الابتكار والتجديد فلا شك أن أولئك يدخلون في عالم الحداثة من أوسع الأبواب لا أضيقها.غير أننا يجب ألا نخلط الأمور خلطا عشوائيا فلا نفرق بين حداثة وحداثة، فالحداثة التي «نلوكها» اليوم تدخل في دائرة الحداثة الفكرية قبل دخولها في دائرة الحداثة الأدبية، فلا أحسب والحالة هذه أن «الحداثيين» داخل أمتنا العربية المحافظين على تقاليدهم وأعرافهم يرتضون بهذه التسمية «الحديثة» وما تحمله من معانٍ مغايرة لسلوكياتنا، وإزاء ذلك أقول إن الأدب «الحداثي» المعاصر يدور حول نفسه، ومعانيه سقيمة وذات صور باهتة ومتكررة، ومرد ذلك يعود إلى أن النظريات التي أنجبت «الحداثة المعاصرة» قد أفل نجمها وخبا بريقها، وهي ربما تعيش الآن في نزعها الأخير، إنها تفتقد إلى الموضوعية والأصالة والابتكار، فكيف يمكن القبول بها؟[email protected]