يمكن القول بطمأنينة وثقة مطلقتين إن العقيدة الإسلامية السمحة بكل تعاليمها وتشريعاتها التي جاءت في نصوص كتاب الله وسُنّة خاتم أنبيائه ورسله “عليه أفضل الصلاة والسلام” دعت إلى إفشاء التسامح بين البشر بطريقة تدحض التخرصات الرخيصة التي يحاول أعداء الاسلام تلفيقها بتلك العقيدة القويمة بادعائهم زورًا وبهتانًا أنها تدعو إلى سفك الدماء والإرهاب، وتلك افتراءات يرد عليها بسيرة المصطفى الذي قال عنه رب العزة والجلال في محكم تنزيله الشريف: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا)، فهو القدوة التي يمتثل بها في العفو والتسامح، فقد تعرّض وهو يدعو لنشر مبادئ العقيدة للاضطهاد والأذى من مشركي مكة، فأهالوا على رأسه التراب، وهو يؤدي الصلاة، وألقوا عليه النجاسات في البيت الحرام، واتهموه بالسحر والكذب والجنون، وتآمروا على قتله.وعندما قال له الصحابة: «ادعُ على المشركين»، قال لهم: «لم أُبعث لعَّانًا»، ورغم ذلك الازدراء من المشركين، فإنه عاملهم باللين والتسامح مصداقًا لقوله تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)، فعفا عنهم، بل إنه وزّع على كبارهم غنائم هوازن ليؤلف قلوبهم، فما أعظم التشريع الإلهي الذي انعكس على سيرة رسوله الكريم، حيث الحث على التسامح والصفح ومكارم الأخلاق، وقد جاء الخلفاء من بعده لتطبيق نهجه الحكيم في التسامح، وعند الفتوحات الإسلامية المظفرة الكبرى، لم يكن الخلفاء يكرهون أهل الذمة على اعتناق الإسلام مصداقًا لقوله تعالى: (لا إكراه في الدين) فكانوا يشرحون لهم مبادئ الإسلام وينصحون باعتناقها ويتركونهم لشأنهم، وقد عُرف عن الخلفاء في العهدَين الأموي والعباسي استخدامهم أهل الذمة في التدريس والطب، وبعضهم تسنَّم مناصب كبرى في دواوين الدولة، وقد عوملوا معاملة حسنة إبان فتح الأندلس، وقد عامل صلاح الدين الأيوبي النصارى باللين والتسامح أثناء فتح القدس بخلاف ما صنعه الصليبيون من قتل للمسلمين بما يدل على سماحة الإسلام وعدله، ويقول المستشرق الشهير «جوستاف لوبون» حول مسألة التسامح في الدين الإسلامي «إن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم، فالإسلام من أكثر الأديان ملاءمة لاكتشاف العلم، ومن أعظمها تهذيبًا للنفوس وحملًا على العدل والإحسان والتسامح»[email protected]