[email protected]صادف هذا الأسبوع مناسبة غالية على كل فرد ألا وهي عيد الأم. ولنا مع كل مناسبة سنوية وقفة.إن ارتباط الإنسان بأمه ارتباط أزلي. تقول الآية الخامسة في سورة الحج: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقنكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا…..) صدق الله العظيم. هل هناك ارتباط أوثق من هذا الارتباط بين الفرد وأمه؟. هل هناك رابطة بين شيئين في الوجود أقوى من رابطة الأمومة؟. هل هناك علاقة فيزيائية أو عضوية تربط بين جسمين أقوى من هذه العلاقة؟ لا يبدو أن الأمر كذلك. اضف إلى ذلك أن هذا الارتباط لا ينتهي بمجرد وضع الأم لمولودها، بل يستمر منذ لحظة ولادته فرضاعه، ففطامه، فبلوغه، فشبه عن الطوق، فبلوغ المرء أشده، وصولا إلى كهولته. وطوال مسيرة المرء في حياته يعيش الإنسان في نظر أمه مهما علا شأنه طفلا.هذا الارتباط فطري أيضا. فالأم كما خلقها الله من الناحية البيولوجية حامية لجنينها. إنها مَن تمده بالغذاء والهواء. وقد سحب البشر رابط الأمومة هذا على جوانب شتى من حيواتهم. هناك مَن يسمي الأرض بالأم. انظر إلى حيث تتجه أنظار العالم اليوم. انظر إلى أوكرانيا، وإلى تمثالها الأهم بعيد النصر في الحرب العالمية الثانية، الذي يزيد ارتفاعه على ستين مترا وستجد الأم قد امتشقت سيفا تدافع به عن أمها: الأرض، في تجلٍ ولا أوضح للعلاقة الرمزية بين الأرض والأم.ولأن عاطفة الأم تجاه أبنائها معين لا ينضب من مشاعر الحب والعطف والاهتمام، فقد استخدم لفظ الأم في كثير من تجليات الحياة لدى الشعوب. فقد سميت مكة بأم القرى تعظيما لشأنها. وسمي الدماغ أم الرأس لأهميته. وسميت سورة الفاتحة بأم الكتاب لعظمتها. وقيل «اللغة الأم» في تمييز لها عن بقية اللغات المكتسبة. وقالت العرب في توبيخ الفرد «لا أم لك». وقيل أيضا: العمارة أم الفنون.وإذا كانت هذه المشاعر من المسلمات الفطرية، فكيف تكون يا ترى مكافأة المعروف بالمعروف؟. كيف لنا أن نرد الدين لأمهاتنا؟. ارتبط الحديث عن الأم لدينا بخطاب وعظي وهو ما ليس واردا هنا، فيكفي المرء واعظا لنفسه. غير أننا مرة أخرى نجد في القرآن الكريم مددا لا ينضب من السلوكيات تجاه الوالدين، كما ورد في قوله تعالى في سورة لقمان: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا) وفي موضع آخر من سورة الإسراء: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما).طفلة اليوم هي أم المستقبل، ولذلك فإننا مطالبون آباء وأمهات، إخوة وأخوات، وبكل درجات القرابة تهيئتها لدورها المركزي في تنشئة أفراد الأسرة. الأم هي روح البيت. هي مَن يضفي على البيت روحه. وفي هذا السياق فإننا مطالبون بتعزيز قيم الأمومة لدى الناشئة من الفتيات. وكما أن للمرأة حقوقها المكفولة، مما يضعها على قدم المساواة مع الرجل تبقى غريزة الأمومة لديها فوق أي تشريع وفوق كل اعتبار، فتنشئة الأسرة وتربية أبنائها تربية صالحة ثابت أساسي في ظل كل المتغيرات، وكما قال حافظ إبراهيم في رائعته: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق.ومع كل مناسبة سنوية، وفي عقب كل صلاة نردد: أطال الله في أعمار أمهاتنا، وتغمد مَن فارقنا منهن بواسع رحمته.