«السنع والسناعة والذرابة» أوصاف تطلقها أمهاتنا على البنات والسيدات المبادرات اللاتي يحملن قدرا عاليا من المهارات ويوظفنها في الوقت المناسب، والسنعة قد تكون فردا في أسرة أضفت على أسرتها مذاقا خاصا بمبادراتها المتجددة وقد تكون جارة أو قريبة أو زميلة أثّرت بمن حولها.وحيث إننا مقبلون على شهر عظيم فإن السناعة تظهر جليا في بعض الأحياء التي يسكن ضمن بيوتها «السنعات» فترى الأطباق كأحد مشاهد السناعة ! أو«النقصات» تتجول بين البيوت و«النغصة أو النقصة» لفظة محلية تعني أن يتذوق الجار شيئا من طعام جيرانه، فالكمية قليلة ليست للإشباع بل «للذواقة» فقط ويقال «تنقصت» لك من هذا الطبق، أي رغبت في أن تذوقه وتطعمه، والتذوق أشهى وألذ من الشبع لأنك تظل في شوق دائم لنقصة مماثلة ! والأطباق رسائل حب مبطنة وحمائم سلام تحيط بتلك الأحياء.ووفق بروتوكول الأطباق فإن الطبق يجب ألا يعود صفرا بل تتم تعبئته بما يتيسر وإعادته في مدة لا تتجاوز أسبوعا ! تحسبا لضياع الطبق أو فقده ! مع رسالة شكر مهذبة حتى وإن كان الطبق «لا ينزل من الزور»! فتجاهل الإحسان ليس من الإحسان ! ولجبر الخواطر شأن عظيم.أما الأطباق التي يحرص البعض أن تكون من أواني المنزل تكريما للمهدى إليه فهي أوانٍ ذات قيمة عند أصحابها وكم من سيدة ألمحت وصرحت بإعادة أطباقها التي هي ضمن طقم لو فقد بعضه فقد كله !! لكن لا حياة لمن تنادي، بل تندر عليها البعض بحجة أن «الصحن ما يسوى» ! «وما علموا أن هناك بيوتا تقاطعت وتناحرت بسبب صحن» !! وإن كنت أرى أن أطباق الاستخدام الواحد تفي بالغرض بل لا تُحمّل المهدى إليه عبء إعادته أو التفكير في ملئه في وقت قياسي.وفي ذات السياق أتذكر أنني أرسلت طبقا لإحدى الصديقات فأرسلت لي رسالة مطولة جعلتني فيها الشيف جوردون رامزي «على غفلة» وهو أشهر طباخ في العالم، ثم صورت لي مقطعا وكأن أيادي عائلتها تتسابق عليه مع أصوات أحدهم وهو يقول «يمي وآخر واوو» بل وضعت صورة الطبق في حسابها وكتبت عليه معلقة لا تكتب إلا لأصحاب الفتوحات العظيمة ! ولم تكتف بذلك بل أرسلت لي بعد أسبوع صورة بقايا من الطبق وادعت أنها خبأتها حتى لا ينقض عليها أحد على اعتبار أن الطبق لم يمر في تاريخهم مثله ! هذه الصديقة وإن كان دافعها إسعادي بهذه التمثيلية فقد استطاعت باقتدار أن تجني على نفسها وتجعلني «أغثها» بأطباقي المتفردة ! بل حفزتني لأن أبدع حقا وأن أكافئها وأقلدها وسام «صديقتي السنعة».وعودة على النقصات فقد انتشر في بعض الأحياء أو العائلات «نقصات» متنوعة قد تتعدى الطعام فمنهم من يرسل نقصات رمضان وهي هدية تعبر عن دخول الشهر وترمز إليه وتتفاوت بين باهظة الثمن أو هدايا رمزية وأخرى نقصات تقدم في العيد بنفس الفكرة، ولست مع أو ضد هذه العادة الحديثة لكن أن تتعدى الحدود المعقولة وأن تدخل في باب المنافسات والتباهي فتفقد معانيها أو تكون «واجبا حتميا» يوما ما ! فتهز ميزانيات الأسر المنهكة وإن كانت لمسة جميلة تبهج النفس وتبعث الامتنان، وفي الحي الذي غادره والداي كان جيراننا المنحدرون من «الزبير» معتادين على توزيع «غراش» من شراب التوت على كل بيت كنقصة رمضانية ولعل «غرشتهم» لها طعم خاص رغم أننا نمتلك كرتونا مشابها وهي من الذكريات الجميلة في طفولتنا.@ghannia