يتميز الإنسان أنه كائن متحرك، والتغيير سمة رئيسية من سمات هذه الحركة، فنجده ينتقل من مرحلة عمرية إلى مرحلة أخرى، ومن تجربة حياتية وعملية إلى تجارب أخرى، ويصاحب هذه الرحلة تغييرات على مستوى السلوك والمواقف والخبرات، وهذا ما أكده الدكتور دانيال جيلبيرت أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد من خلال عدد من أبحاثه، التي اهتمت بدراسة طبيعة التغيير البشري. وفي موضوع متصل، يرى الدكتور مايكل روس وهو عالم نفس متخصص في الذاكرة الشخصية بجامعة واترلو الكندية أن تأثير التغيير لا يقتصر على الفرد، بل يتعداه إلى المجتمع، فنجد أن البشر ينقسمون في التعامل مع التغيير إلى قسمين، قسم يميل إلى المحافظة على الثبات ومقاومة التغيير، وقسم آخر يتقبل التغيير ويتعامل معه كحقيقة حتمية.ونظراً لأن الإنسان يمر خلال مسيرة حياته الشخصية أو العملية بالعديد من المواقف، التي تتطلب التغيير من منطلقات خارج عن إرادته وبمسببات لا يمكنه التحكم بها أحياناً، وبدلاً من رفض ومقاومة هذا التغيير وبالتالي التأثر سلبياً بذلك إما بفقدنا فرص قد تحقق له مكاسب أو تعرضه لتهديدات لا يحسن التعامل معها، فلابد من تقبل هذا التغيير واتباع إستراتيجيات تمكنه من التعامل معه بصورة إيجابية يخرج منها بفوائد ومكتسبات تنقله من مرحلة إلى أخرى بكل يسر وسهولة وتعزز من قدراته ونجاحاته، وهذا ما يسمى اصطلاحاً بفن إدارة التغيير.تعرف إدارة التغيير على أنها التحرك من الوضع الحالي الذي نعيشه (والذي قد يشكل المشكلة أحياناً) إلى وضع جديد أكثر كفاءة وفاعلية (قد يكون بمثابة الحل)، وبمفهوم أكثر دقة نستطيع القول إن إدارة التغيير هي المنهجية، التي يمكن اتباعها للانتقال من حالة راهنة إلى حالة مستقبلية خلال فترة زمنية بأساليب ومنهجيات محددة بهدف تحقيق أهداف تعود بالمنفعة على المنظمة أو الأفراد أو كليهم معاً. وقد أثبتت الدراسات والبحوث في مجال المال والأعمال أن حوالي 60 % من مشاريع إعادة الهيكلة أو إعادة هندسة العمليات، التي كانت تهدف إلى التطوير والتحسين فشلت بسبب مقاومة التغيير لهذه المشاريع.لذا فإن عملية إدارة التغيير الفاعلة تتطلب أولاً تحديد الفئة، التي سوف تتأثر بالتغيير المحتمل وخلق أجواء مناسبة للتواصل المفتوح معهم ومن ثم فهم متطلباتهم والمخاوف التي قد تؤدي إلى مقامة التغيير وهو ما يسمى برفع مستوى الوعي تجاه التغيير، كما يجب توضيح أهمية هذا التغيير بالنسبة لهم والمكتسبات التي سوف تتحقق لهم من هذا التغيير على مستوى الفرد والمنظمة بما يحقق علاقة المنفعة للطرفين (win-win)، كما يجب الاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم بخصوص عملية إدارة التغيير المرتقب منذ البداية وإشراكهم في كل مراحل عملية التغيير وجعلهم شركاء داعمين لخطط التغيير.وتتضمن إستراتيجية إدارة التغيير ثلاث مراحل رئيسية، الأولى هي مرحلة الإعداد للتغيير ويتم فيها تحديد الفئة المستهدفة بالتغيير وتشكيل فريق إدارة العملية وتحديد الإستراتيجية المناسبة لإدارة التغيير وكسب دعم أصحاب المصلحة والتأثير وهي أهم مراحل الإستراتيجية، تليها مرحلة تنفيذ وإدارة عملية التغيير وتتضمن الخطوات والإجراءات العملية لتنفيذ التغيير على أرض الواقع، أما آخر مراحل الإستراتيجية فهي تعزيز وتثبيت التغيير من خلال تحليل ردود الفعل تجاه التغيير وتحديد الفجوات واتخاذ الإجراءات التصحيحية وتطوير أساليب ووسائل المحافظة على التغيير وخلق ثقافة التغيير.خلاصة القول، إن القدرة على التعامل مع التغيير وفق منهجية علمية مبنية على فهم مسبباته وتحقيق المكتسبات منه، وبالتالي تعزيز معدلات النمو والتطور هو جوهر عملية إدارة التغيير في عصر السرعة الحالي، الذي أصبح فيه التغيير حقيقة لابد منها.@abolubna95