وأنا أتجول في حي الحزام الذهبي استحضرت قصائد مدح الأندلس وشعراء الطبيعة، الذين فتنهم جمالها وهم يسرحون بين خمائلها ويتغزلون في حضارتها! ورددتُ قصيدة ابن خفاجة في مدحها حين قال: يا أهل أندلس لله دركم ماء وظل وأشجار وأنهار ماجنة الخلد إلا في دياركم ولو تخيرت هذا كنت أختار!والاختيار ليس شرطا أن يكون قصراً فيها، بل بنظرة وهواء عليل وسويعات رائقة! ولا يلام زائري ذلك الحي وهم يشاهدون المباني الجميلة والشوارع المتسعة بتنسيقها المدروس والحدائق المدللة، التي تكتفي بأن تنشر البهجة والسعادة دون أن تطأها الأرجل فتلامس غرورها! وحين تلقيت الدعوة الكريمة من مركز حي الحزام الذهبي لحضور احتفالية الانتقال للمبنى الجديد شعرت بالسعادة، فرؤية الجمال تجلب السعادة! والحقيقة أن سكان الحي لا يبدون وكأنهم يخرجون من قصورها الفارهة! فمن عرفت منهم يمتلئون عطاء ومبادرة ومسارعة في الخير، وقد تيقنت من ذلك وأنا أستمع إلى تعريف السيدات الحاضرات وهن يقدمن موجزا عن إنجازاتهن في خدمة المجتمع والحي، الذي يسكنه فإحداهن بنت مسجدا فيه أصبح معلما من معالمه، وتلك ساهمت في إيجاد حديقة، وأخرى أسست ناديا للقراءة، وأخرى ساهمت في أحد مشاريع المركز، وأخرى كانت تتواصل مع الجهات المسؤولة للتبليغ عن أي عارض في شوارع الحي أو مكتسباته، فعرفت حينها كيف بدا هذا الحي وكأنه جنة من جنان الأرض أو هكذا خيل لي! ثم إن حضور السيدات وتفاعلهن مع المركز هو انتماء حقيقي ودعم واضح لمرفق مهم من مرافقه، فكم من البرامج، التي يبذل فيها العاملون جهودا مضنية لكنهم تخلوا من وعي المدعوين، فلا يقدمون زكاة وقتهم فيها وينصرفون إلى اهتمامات روتينية يسعهم فيها التأجيل إن لم يكن الاعتذار!وعودة إلى مركز حي الحزام الذهبي وصرحه المبارك، الذي تجاوره حديقة جميلة ضمن الحدائق المتناثرة هنا وهناك، ومدرسة قرآنية، فهو محاط بالبركة من كل اتجاهاته! وفي الجولة التي صحبتنا فيها مسؤولة المركز حدثتنا عن السنوات الطويلة والصبر الجميل، الذي تلبسه العاملون حتى يظهر المبنى بشكله المتأنق فما بين مكابدة الإجراءات والتصاريح والمتبرعين والمتطوعين وما بين انتظار الحلم حتى تحقق. ولو كان أحدهم ينتظر مردوداً من هذا الصبر لتسلل إليه اليأس كما يتسلل لمَن يبني بيتاً وتواجهه عقبات البناء فيبيع حلمه أو يهجره لكن الهدف أسمى وأرفع.وبالرغم من انتهاء هذا المبنى النموذجي بمستواه العالي إلا أنه مازال محتاجا لأن يلبس ثياباً أنيقة تليق بالمكان، الذي استقر فيه، فالأثاث هو المرحلة الأخيرة، لاسيما أن التنظيم والإدارة الناجحة فيه صنفت كل مرفق ووضعت له تصورا واضحا وتكلفة بينة لا يحار معها المتبرع، بل يختار من مرافقه ما يناسب اهتماماته أو ميزانيته، التي خصصها للخير، كما يتيح المركز نظام التأجير والتشغيل كأحد برامج دعم الشباب.وبعد مغادرتي للمركز أمسكت إحدى المدعوات وأسررتُ لها بسؤالي الحائر!! هل يحتاج حي الحزام لمركز حي؟؟ كما يحتاج حي الثقبة مثلا؟؟ مع اختلاف التركيبة السكانية للحيين؟ وهل يرتاد ساكنو الحزام مركز الحي ويستفيدون من برامجه؟؟أجابتني -وكادت أن «تمسك بزمارة رقبتي» كما يقول المصريون الظرفاء!- بأن مراكز الأحياء ليست جمعيات خيرية تقدم الدعم المادي للأحياء الفقيرة! بل هي مشاريع تنموية تسهم في تنمية وتطوير البيئة الاجتماعية وتقوية الروابط بين السكان وغرس القيم المختلفة بين أبنائه، كما تقدم الندوات والأنشطة الرياضية والمسابقات والبرامج الثقافية والترفيهية، بالإضافة لبرامج التربية الخاصة والأهم من ذلك تكاتف الجهود ودعم خطط التنمية المجتمعية والمسؤولية تجاه المحافظة على جمال الحي ونظافته كأحد المبادئ، التي حث عليها الدين الإسلامي وهي بذلك تستثمر طاقات الشباب في المشاركة بالأنشطة والتطوع، كما تدعم المرأة بنتا وأما وزوجة من خلال تطويرها وتقديم ما تحتاج إليه من برامج أسرية ومهارية وتطويرية حينها أدركت أن تفكيرنا قد يقصر أحيانا عن الإلمام بأفكار عميقة لم تغفل عنها دولتنا المباركة في الاهتمام بجانب وجداني إنساني يحتاج إليه المجتمع كحاجته لأساسيات الحياة.@ghannia