لا أحد يعلم أين تقع مدينة «إرم» إلا أن ذكرها كمثل جاء في القرآن الكريم بالآية الكريمة من سورة الفجر «ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد». وهذه المدينة وطبيعة أعمدتها وهيئتها التي لا مثيل لها هي مجهولة في زمننا الحالي. ويكثر الجدل حولها وتكثر الاجتهادات، فمنهم من يضعها بالأحقاف ومنهم يقول إنها اكتشفت بعمان ومنهم من يقول إن موطنها في حضرموت أو إنها مبنية من الذهب في اليمن. كذلك قيل عن هوية قوم عاد إنهم من العرب البائدة إلا أنه لا أحد يعلم من هم بالفعل المقصودون بالآية الكريمة وما هي «إرم».نحن الآن وبعد أكثر من ألف وأربعمائة عام أصبحنا بعيدين كل البعد من الفترة الزمنية التي نزلت بها تلك الآيات الكريمة والتي عرف معانيها أول سامعيها وما المقصود بها ولكونها كانت نذيرا لهم بشيء يعلمونه. ورأينا إن كانت مجهولة لما أصبحت نذيرا لهم. فمنها نستدل أنها موقع معروف في الجاهلية وربما غابت عن المتأخرين فاختلف في تفسيرها.كما يؤكد الطبري والذي عاش بالقرن الرابع الهجري وجود الاختلاف في تأويل «إرم» وذكر أن بعضهم قال إنها اسم بلدة، ثم اختلفوا في ذلك وقال بعضهم الإسكندرية وآخرون اختاروا دمشق. وأضاف أنه قال آخرون إنها «امه» ومعناها «القديمة» أو كلمة «الهالك» أو من أن كونها قبيلة من عاد كما في عاد بن إرم.وذكر عن الوصف بذات العماد أن أهل التأويل اختلفوا فيها أيضا فقالوا إن معناها «ذات الطول» كما في الأجسام. ومن الاجتهادات القول بطولها مثل «العماد». كما أشار إلى أن غيرهم قال إنها قوم عمود سيارة لا يقومون بمكان. وأشار من الأقوال أنها في حضرموت من الأحقاف. واختار الطبري من كل تلك الآراء قوله أنهم كانوا أهل عمود أي أعمدة الخيام سيارة متنقلين.من الاجتهادات أيضا ما ذكره ابن كثير في تفسيره وزمنه القرن الثامن للهجرة وقد قال عن قوم إرم إنهم كانوا «متمردين عتاة جبارين خارجين عن طاعته مكذبين لرسله جاحدين لكتبه فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم وجعلهم أحاديث، وهؤلاء عاد الأولى وهم ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، قال ابن إسحاق: وهم الذي بعث الله فيهم رسوله هودا عليه السلام فكذبوه وخالفوه، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم وأهلكهم». كما وصف ابن كثير العماد بأنها بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد.وعن طريقة نطقها أشار القرطبي في تفسيره وزمنه القرن الثالث الهجري إلى أنه تعددت طرق قراءة إرم كما في قراءة العامة «إرم» بكسر الهمزة. وبعاد «إرم» مفتوحتين، وقرئ «بعاد إرم» بسكون الراء، على التخفيف، وقرئ «بعاد إرم ذات العماد» بإضافة «إرم» إلى «ذات العماد». والإرم: العلم. أي بعاد أهل ذات العلم. وقرئ «بعاد إرم ذات العماد» أي جعل الله ذات العماد رميما. « وذكر أن قرأ مجاهد والضحاك وقتادة «أرم» بفتح الهمزة. قال مجاهد: من قرأ بفتح الهمزة شبههم بالآرام، التي هي الأعلام».ومع كل تلك الآراء والاجتهادات قلنا بأنه ربما بالفعل أن تكون إرم اسما لمدينة معروفة بلغة أهلها المتعارف عليها في تلك الفترة من عصر النبوة. فعند اتباع الطرق المختلفة لقراءة إرم وتتبعها وبالرجوع إلى اللغة القبطية القديمة وجدنا بالإضافة أنها قد تعني مدينة الشمس. ومدينة الشمس بذات الاسم هي الأقصر بمصر والتي لا تخلو من المسلات العظيمة والبناء المتصل الذي استمر ولآلاف السنين، وكونها بالإضافة دمرت بزمن قديم. هذا التأويل إن صح يزيد من عدد المدن السابقة الذكر من الرأي عن موقع «إرم» بالإضافة.واختتم هنا بالقول بأنه أيا تكن طرق قراءة إرم أو صفتها من السيارة أصحاب الخيام وأعمدتها أو من كونها اسم مدينة أو حتى بالمعاني المختلفة هو موضع جدل قديم من اجتهادات ولعل يوما ما يكتشف هذا الأمر فنعرف.@SaudAlgosaibi