عالمنا الآن يمكن وصفه بأنه عالم عقوبات ! ..
فقد انتشر فيه استخدام العقوبات بمختلف أنواعها، خاصة الاقتصادية، خارج إطار الأمم المتحدة بشكل منفلت بين الدول، رغم التوافق العالمى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية على أن تستأثر المنظمة الدولية وحدها فرض العقوبات على الدول..
وهذا ما حذرت منه مصر وأعلنت بوضوح فى الجمعية العامة للأمم المتحدة رفضها له لخطورته خاصة على الاقتصاد العالمى وشعوب العالم..
ومؤكد أن العقوبات الاقتصادية التى سارعت أمريكا والعديد من الدول الأوربية وبعض الدول الأخرى فى فرضها على روسيا بعد اندلاع الحرب الأوكرانية سوف تكون مؤلمة لروسيا وشعبها لأنها أشبه بالحصار الاقتصادى عليها، وقد بدأت تعانى بالفعل منها، لكنها لن تكسرها أو ترغمها على الأقل فى المدى المنظور أن توقف إطلاق النار وتسحب قواتها من الأراضى الأوكرانية قبل تحقيق أهدافها والمتمثلة فى فرض الحياد على أوكرانيا حتى لا تكون قاعدة عسكرية للغرب تهددها، خاصة أن روسيا تراكم لديها منذ سنوات خبرة الالتفاف على العقوبات الاقتصادية التى فرضها الغرب عليها بعد ضم شبه جزيرة القرم..
بل إن هذه العقوبات قد تمنح روسيا إذا شاءت فرصة للاعتماد أكثر على الذات، فى ظل أنها مازالت تتحكم ولسنوات قادمة فى تدفق النفط والغاز إلى أوربا ..
وهذا ما تقوله العديد من الدراسات الأمريكية التى تناولت أمر العقوبات الاقتصادية الدولية التى شاع اللجوء إليها فى العقود الأخيرة، فهى انتهت إلى أن ٣ فى المائة فقط من العقوبات الاقتصادية الدولية حققت أهداف من فرضوها !..
وهذا صحيح لأن العقوبات الاقتصادية لم تسقط حكاما مثل حكام إيران وكوريا الشمالية، ولم تغير سياسات دول عديدة طالتها مثل فنزويلا، ولم تحرم دولا من تحقيق معدل نمو اقتصادى مثل الصين ولم تمنع دولا أن تظفر بسلاح نووى عندما أرادت مثل الهند وباكستان !
غير أن ما لم تتناوله هذه الدراسات الخاصة بالعقوبات الاقتصادية هو تأثير هذه العقوبات على من فرضوها وتداعياتها على الاقتصاد العالمى، فى ظل عالم الآن يشهد تداخلا وتشابكا واسعا بين اقتصاديات دوله، حيث تعتمد بعض هذه الدول على مصادر الطاقة التى تملكها دول اخرى، وتتشارك العديد من الدول فى سلاسل السلع الأساسية، ولذلك صار أى قرار اقتصادى فى إحدى دوله يؤثر على بقية الدول، مثلما هو حادث الآن بالنسبة لقرارالمركزى الأمريكى برفع أسعار الفائدة ..
وهذا ما بدأنا نشاهده بل الأصح نعانى منه الآن فى شكل تضخم عالمى لم يقتصر على الطاقة والغذاء فقط .