المجتمعات الحية تحترم معلميها، وتعرف لهم قدرهم، ومع ذلك فهناك بيننا مَن يتجرأ على المعلمين إما بتعميم التصرف السلبي أو بإطلاق النكت عن المعلمين، أو بالكلام عن إجازاتهم وراحتهم مع أنهم يتعاملون مع البشر، وساعة من ساعات المعلم المخلص تعادل ساعات يقضيها البعض أمام جهاز يقوم بما يغذي به بمنتهى الطاعة.في تاريخ أمتنا الحية قول جميل ذكره الجاحظ في (البيان والتبيين) يبين مكانة المعلم والمعلمة والآمال المعقودة عليهما، حيث قال عتبة بن أبي سفيان لعبدالصمد مؤدب ولده: «ليكن أول ما تبدأ به من إصلاحك بني إصلاحك نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، علمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، وعلمهم سير الحكماء وأخلاق الأدباء، وتهددهم بي وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، ولا تتكل على عذري، فإني قد اتكلت على كفايتك، وزد في تأديبهم أزرك في بري إن شاء الله».من وفقهم لتعليم الناس الخير يجب أن يدرك الأب والأم مكانتهم، فهم شركاؤه في التربية والتعليم، وبالتالي يجب أن يدرك المجتمع مكانتهم فهم مَن يبنون الأوطان ببناء العقول التي تبنيه، والأهم من ذلك من وجهة نظري أن يدرك المعلم نفسه مكانته، فلا يحبط ولا يتذمر بل يعرف قدره ويكون على مستوى ذلك، فالمعلم الذي يدرك مكانته سينجح في مهمته، يتفانى من أجل طلابه، ويكون قدوة لغيره داخل المدرسة وخارجها، ويصبر على ما يواجهه، فالضغوط جزء من طبيعة عمل المعلم، والأجر على قدر البذل والصبر.دخل الرشيد يوما على الكسائي وهو لا يراه، وكان الكسائي معلما لولديه الأمين والمأمون، فقام الكسائي ليلبس نعله لحاجة يريدها، فنهض الأميران بعجلة ووضعا النعل بين رجلي الكسائي، بعد وقت جلس الرشيد مجلسه، وقال: يا كسائي أي الناس أكرم خدما؟قال الكسائي: أمير المؤمنين أعزه الله.قال الرشيد: بل الكسائي، يخدمه الأمين والمأمون، وحدثهم بما رأى.حافظوا على طلابكم واصنعوا منهم رجالا، فهم خير شهادة شكر وتقدير لكم.@shlash2020