اللغة العربية هي «أم اللغات» فهي أكثر اللغات السامية انتشارًا وأكثرها اشتقاقًا، وقد وصفها أصحابها بأنها «لغة شاعرة» وسمَّاها الدارسون من غير العرب بأنها «لغة موسيقية»، فتأثيرها آسر على القلب والعقل، وهي غنية بتركيبات لغوية تفتقر إليها معظم اللغات، وهي ذات تراث أدبي لم يتوافر بهذه الغزارة في أية لغة أخرى، ويكفي لغتنا العربية فخرًا أن رب العزة والجلال قد اختارها لكتابه الجليل من بين لغات الأرض، فلماذا ينصرف أبناؤها عنها اليوم؟الأسباب كثيرة ومتداخلة، قد يحضرني بعضها في هذه العُجالة، وقد يغيب عني بعضها، غير أنني لا أركن إلى مقولة أن السبب الرئيسي وراء هذا الانصراف يكمن في «تعقيد» اللغة من نحوٍ وصرف، فلغتنا العربية في واقع الأمر ليست «لغة معقَّدة»، وإنما العُقدة في موقفنا تجاه هذه اللغة العظيمة. ولعل من الأسباب الجوهرية لانصراف أبناء هذه اللغة وآخرين من غير الناطقين بها، سببًا يتمحور في «طريقة تدريس اللغة العربية»، سواء للناطقين بها أو لغير الناطقين، وهي طريقة واحدة «غير مدروسة بعناية»، نهدر من خلالها عدة متطلبات لابد أن نُلِمّ بها، فهذه الطريقة لا تعتني بطبيعة الدارسين، أهم من الناطقين بها أو غير الناطقين، وكلنا نعلم أن دراسة اللغات تهتم بهذه المسألة اهتمامًا خاصًا.فتعليم اللغة لأصحاب اللغة لابد أن تختلف طرائقه ومناهجه لمتعلمين من غير الناطقين بهذه اللغة، وهذا الفرق نلاحظه نحن العرب عندما نتوق إلى تعلم لغة أجنبية، وللأسف أننا لا نقوم بتطبيق هذا النهج على لغتنا العربية، فأظن جازمًا أن من أسباب انصراف شبابنا عن لغتهم يعود إلى هذا الأسلوب الخاطئ في تعليم اللغة، وسبب آخر قد يكون من الأسباب الوجيهة لانصراف أبناء العربية عن لغتهم، وهو أننا لم نقم حتى الآن «بتعريب العلوم» في جامعاتنا ومعاهدنا وكلياتنا، رغم مُضيّ وقت غير قصير على المناداة المُلحَّة بضرورة الاهتمام بمسألة التعريب هذه، فقد عقدنا وما زلنا نعقد المزيد من المؤتمرات والندوات والمحاضرات، ونخرج بعد هذه التجمعات المحمودة «بتوصيات» جيدة تحث كلها على ضرورة الأخذ بالتعريب، ولكن هذه التوصيات للأسف الشديد ما هي إلا «حبر على ورق» فهي لا تخرج عادة خارج القاعات التي أُلقيت فيها[email protected]